خبر : المصالحة أم المصلحة..د. عبير عبد الرحمن ثابت

الثلاثاء 22 مايو 2012 12:17 م / بتوقيت القدس +2GMT
المصالحة أم المصلحة..د. عبير عبد الرحمن ثابت



الاختلاف سمة من سمات البشرية .. فنتيجة للاختلاف بادرت أثينا بممارسة الديمقراطية بواسطة مجلس الجماهير ، واهتم المفكرون فى عصر الأنوار بطرح أنظمة حكم مخالفة لنظام الحكم المطلق الذى كان شائعا آنذاك . وظهرت التعددية والأحزاب السياسية التي تنادى بالمساواة والعدالة الاجتماعية والحريات .   بالاختلاف خسر ساركوزى الانتخابات الفرنسية أمام منافسه الاشتراكي فرانسوا هولند ، وكان من أول المهنئين لخصمه بالفوز ، وترك الأليزيه بدون أي تعليق .   العالم بأسره اليوم يمارس تداول السلطات ؛ ويخوض معارك انتخابية والجميع يتقبل نتائجها وعجلة السياسة تدور ، وكلٌ يدور فى فلكه ويصحح أخطائه أو يعزز دعائمه فى السلطة . فلم نسمع على سبيل المثال فى عام 2010 قيام مجلس النواب الأمريكي باتخاذ أى إجراءات لعرقلة العملية السياسية فى أمريكا والذي تقدم فيه منافسي باراك أوباما فى الحزب الجمهوري ، ولم تفكر أى ولاية بالانفصال عن الولايات المتحدة والذي نجح فيها 29 حاكم ولاية من الحزب الجمهوري ، كاحتجاج على عدم قبول حكم أوباما ؛ والذي يشكل نقلة نوعية فى المؤسسة السياسية الأمريكية ،  والتى سمحت للمرة الأولى بان يعتلى أقوى منصب فيها زنجى ، وجميعنا نعرف التمييز العنصري الذى عانى منه الزنوج فى أمريكا لوقت ليس ببعيد  .   كَثُرَ الحديث عن المصالحة ؛  فمن لم يتحدث بقلمه تحدث بقلبه . كافة شرائح المجتمع ترغب بإنهاء هذا الداء الذى استشرى فى كافة أنحاء الوطن ، والمستفيد الوحيد منه الاحتلال . لم تتبقى كلمات للطرفين إلا وتمت الإشارة إليها من كُتّاب ومثقفين وكافة الأطر التنظيمية والشعبية . وها نحن اليوم نشهد اتفاق جديد تم التوصل إليه برعاية مصرية حول القضايا العالقة  ، وبموجب هذا الاتفاق ستبدأ لجنة الانتخابات المركزية عملها فى قطاع غزة يوم الأحد القادم الموافق 27/5 ، وسيتم الإعلان عن الحكومة الجديدة خلال عشرة أيام . فقد نزلت هذه التصريحات على مسمع المواطن الفلسطيني كالغيث على أرض عطشى . فالانقسام لا يمس مصلحة حزب هنا وآخر هناك ، بل يمس فلسطين بكل مدنها وقراها وقدسها ولاجئيها وحدودها وماضيها وحاضرها ومستقبلها ... ونقول قد نختلف فى الأيدلوجيا والأداء ؛ ولكن هناك الكثير يجمعنا أكثر من أى شعب آخر  .. فهدفنا واحد ... وعدونا واحد ... وفلسطين أكبر منا جميعنا ، فالسيطرة  على نفق هنا ومعبر هناك لا تأسس لدولة ، ولا تحقق حلم تسطر بدماء آلاف الشهداء وأنات الجرحى ودموع أمهات وثكلى .   لنواجه جرافة الاستيطان .. علينا بالوحدة ، ولنواجه نهب أراضى الضفة الغربية .. علينا بالوحدة ، ولنُقنع المجتمع الدولي بخطورة مشروع  "يهودية الدولة " الذى يشترطه نتنياهو .. علينا بالوحدة والذي بموجبه تضيع حقوق فلسطيني 48 ، ويفقد اللاجئين حقهم بالعودة ،  ولندافع عن القدس .. علينا بالوحدة ، ولنتمكن من تحقيق أحلام أسرانا الأبطال .. علينا بالوحدة   أمام كل هذه القضايا يجب أن يعيد الطرفان حساباتهم ولنخرج من دائرة المصالح الضيقة ، ونتعالى فوق الخلافات وأن تكون هذه المرة النوايا صادقة ، وأن يلتزم الطرفان بالتنفيذ ويكون الجميع رقيب على نفسه ، وأن نضع المصلحة العليا فوق كل اعتبار ، وأن نلمس التغيير على الأرض وليس مجرد تصريحات فى الإعلام ، وأن لا يكمن الشيطان فى التفاصيل .   يجب أن تكون هذه المرة الأخيرة ، وأن لا يكون حبراً على ورق . فالمواطن العادي متشائم لدرجة الثمالة وفقد الثقة فى كافة الأطراف  . وعلى الفصائل التي تلعب دور المتفرج ؛ أن تأخذ دورها فى دفع عجلة هذه القضية وأن تكون السد المنيع أمام أى طرف أو قوى خارجية تحاول أن تعرقل هذا الاتفاق ، كذلك على الجماهير الفلسطينية أن لا تسمح بالفشل هذه المرة . نتمنى من الطرفين أن يأخذوا هذا الاتفاق على محمل الجد ويسارعوا بالتنفيذ ، فالمصالحة هى مصلحة فلسطين التي تبتعد عنا كل يوم بهذا الانقسام اللعين ... فكلنا سنرحل وستبقى فلسطين.