خبر : بين قمة بغداد.. وقمة القدس! ... بقلم: هاني حبيب

الأحد 01 أبريل 2012 01:57 م / بتوقيت القدس +2GMT
بين قمة بغداد.. وقمة القدس! ... بقلم: هاني حبيب



كان يمكن أن يشكل تزامن انعقاد القمة العربية في بغداد، مع ذكرى يوم الأرض، حدثاً فريداً، ينقذ مؤسسة القمة من فقدانها فاعليتها، كما يدعم الشعب الفلسطيني في إحياء يوم الأرض ودولية القدس، بما يتجاوز التظاهر والاحتشاد ثم العودة إلى البيت، كان يمكن للعرب في قمتهم البغدادية، أن يسجلوا تاريخاً جديداً في عدم الاكتفاء برفع الشعارات وتبادل الخطابات، بوضع مفهوم آخر لشعار أن فلسطين هي قلب العروبة النابض وقضيتها هي قضية العرب الأولى، يتجاوز ما اتفقت عليه القمم السابقة من أن القرارات تعرف بشعاراتها وليس بتنفيذها. وكأي قمة عربية، دخلت حسابات الأنظمة القطرية العربية جوهر العلاقة التي تربط كل قطر بالأقطار الأخرى، ورغم غياب أربعة رؤساء عن هذه القمة بعد أن أرسلتهم ثورات شعوبهم إلى مزبلة التاريخ، ورغم ثورات الربيع العربي الممتد على طول وعرض الخارطة العربية، فإن كل ذلك لم يكن ليغير من الأمر شيئاً، فالضيوف الجدد، من توابع الربيع العربي، إلى القمة، ما زالت هموم عدم استقرار بلادهم، بل ومخاطر تقسيمها، تلقى الأولوية في حساباتهم، وهم في هذا السياق، ليسوا في وضع يسمح لهم بالمخاطرة في "التصعيد" والانقلاب على تقاليد القمم السابقة، وهكذا، فإن استبدال الزعامات التقليدية، بالزعامات الثورية، لم يحقق الثورة المنشودة في مؤسسة القمة العربية، ما يدعم ما يشيعه البعض، من أن ثورة الربيع العربي، ليست أكثر من حراك، له من السلبيات ما يفوق الإيجابيات، ومن أن هذا الربيع ما هو إلاّ فصل وينتهي إلى خريف، كان دائماً يظلل النظام العربي، وسيظل كذلك، مهما اختلفت أيديولوجيات الزعماء العرب الجدد. هي قمة للتعارف بين الزعامات الدائمة، والزعامات الجديدة، في ظل غياب من كان يمنح القمة، فرصة متابعتها من قبل الجمهور العربي، لا لشيء إلاّ للتفكه ومتابعة جنون القذافي "وقفشاته"، والتخلص من القذافي هذا، أزال الأسباب الموجبة لمتابعة أعمال القمة من قبل الجمهور العربي، وكأنما قاعة الاجتماعات الرسمية، ما كانت إلاّ لتبادل الابتسامات بين الزعامات التقليدية والزعامات الوافدة على حصان الربيع العربي. هي قمة المالكي، رئيس الوزراء العراقي، وعلى الرغم من التناقض الهائل، فإن رئيس القمة طيلة عام كامل، سيعهد إليه إصلاح مؤسسة القمة وإعادة هيكلة الجامعة العربية، والتناقض هنا واضح، إذ إن العراق الشقيق يعاني من أزمة سياسية متصاعدة لا يبدو في الأفق حل لها، فالمالكي يترأس دولة مذهبية بامتياز، يجتاحها الإرهاب كما تجتاحها الانقسامات العمودية والأفقية، في ظل احتلال إيراني على مستوى المكان والسياسات، وعلى الرغم من أن قمة بغداد أعادت العراق إلى حضنه العربي، وأعادت العرب إلى عراقهم المجيد، فإن ذلك، لن يغير من الهيمنة الفارسية على العراق، بمساعدة من أهله المذهبيين (يستخدم مصطلح طائفي بدلاً من مذهبي لخطأ متكرر، فالطائفية بين الأديان المختلفة، والمذهبية بين الفرق داخل الديانة الواحدة). أراد المالكي من قمة بغداد، ليس اعترافاً عربياً بعروبة العراق، بل أراد اعترافاً عربياً بما يقترفه من جرائم بحق الشركاء في الحكم وسياساته المذهبية، وهذا ما ناله المالكي من هذه القمة التي ستكون على حساب مكونات الشعب العراقي المختلفة، وتدعم إجراءات وسلوكيات المالكي الانفرادية. وكأنما القادة العرب لا يتلمسون المكان الذي عقدوا فيه اجتماعاتهم وقمتهم، فها هم يتخذون من خطاب وزير الخارجية العراقي، كما الرئيس المالكي، موقفهم إزاء ما يجري في سورية، فهم ضد التدخل الأجنبي، وضد تسليح المعارضة، وهو تناقض صارخ كان يجب أن يضج به المكان حيث تعقد القمة، فالنظام العراقي، جاء على ظهر دبابة التدخل الخارجي، وتحالف المعارضة العراقية من خلال معظم فصائلها، مع الولايات المتحدة لغزو العراق، وعلى الرغم من أن بشار الأسد أباد من شعبه أكثر بكثير مما قيل عن صدام حسين، فإن دولة المالكي، لا تريد لسورية مثلما أرادت لنفسها، متجاهلاً (المالكي) أنه لولا التدخل الخارجي، من خلال غزو وحشي لبلاده وبطلب منه ومن أترابه، ما كان رئيساً لحكومة العراق، وما كان له أن يجتمع مع الزعامات العربية الأخرى. مع قمة بغداد، عقدت قمة القدس، في يوم الأرض، وبدلاً من أن يشكل انعقاد القمة زمنياً مع قمة يوم الأرض والقدس، دعماً لقضية العرب الأولى، فإن الزعامات العربية وقبل توجهها إلى قمة بغداد، استجابت للتهديدات الإسرائيلية، بضرورة منع التظاهرات والاحتجاجات من الوصول إلى حدود الدولة العبرية معها، وهكذا كان، فقد ظلت التظاهرات والاحتجاجات، عن بعد، وظلت دولة الاحتلال في مأمن حتى من حجارة المنتفضين على كافة حدودها مع الجيران العرب، ولولا احتدام الصدامات في باب العامود والحواجز العسكرية على مقربة من القدس المحتلة، ومعبر بيت حانون في غزة، لمر يوم إحياء يوم الأرض، كأي يوم آخر، وحتى تلك الصدامات في الداخل الفلسطيني مع الاحتلال، لم تنجُ من تأثيرات هشاشة الحشود الفلسطينية والعربية على تخوم الدولة العبرية، وبدلاً من أن تشكل تصعيداً نوعياً مقارنة بتلك التظاهرات التي جرت في منتصف أيار الماضي، فإن التظاهرات في الداخل، سجلت تراجعاً ملحوظاً، توقعته قوات الاحتلال، لكن لم نكن نتوقعه في الوضع الفلسطيني. مع ذلك، فإن يوم الأرض، يظل عنواناً لوحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات على الرغم مما أصابه من انقسام، وظل شاهداً على الصراع الدائم بين الاحتلال والشعب المحتل، وأن الاحتلال، مهما استمر إلى زوال، وإحياء يوم الأرض مناسبة لاستنهاض طاقة الشعب الفلسطيني ومن خلفه الشعوب العربية وكل أحرار العالم من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وتظل قمة بغداد، كما القمم السابقة، ميداناً للتوازنات العربية وحسابات القادة العرب، وعلى الرغم من دعوة الرئيس عباس في القمة إلى ضرورة وفاء الدول العربية، بالتزاماتها السابقة في القمم السابقة، خاصة في جانب الدعم المالي للقضية الفلسطينية، وفي إطار ملف القدس بشكل خاص، فإن مثل هذه الدعوة، لن تجد تفعيلاً لها إلاّ على نطاق ضيق، يعود ذلك لأسباب عديدة، من بينها أن الشعوب العربية، لا تزال ترزح تحت وصاية زعاماتها، بما في ذلك، تلك التي تحررت من ربقة الاستبداد، ولا تزال منغمسة في حالة عدم الاستقرار. إن وضع اليد على أسباب هشاشة إحياء يوم الأرض، يجب أن يهيئ لنا في الخامس عشر من أيار القادم، موعداً لتلافي هذه الأسباب من أجل مواجهة شعبية حقيقية شاملة مع الاحتلال داخل فلسطين وعلى حدودها.