خبر : المصالحة .. مرة أخرى ... بقلم: حيدر عوض الله

الإثنين 27 فبراير 2012 02:11 م / بتوقيت القدس +2GMT
المصالحة .. مرة أخرى ... بقلم: حيدر عوض الله



تستوقفني المصالحة، التي كلما اشتدت الحاجة الخطابية لها، اشتدت العوامل والمبررات التي تطيل أمدها، وكأننا أمام أحجية يصعب فك رموزها وطلاسمها. يعتقد الموغلون في مديح "المصالحة" أن حسن "النوايا" و"الترفع" عن المصالح التنظيمية من شأنه أن ينجز المصالحة، وإذا تجاوزنا شبهة المكر في خطاب المصالحة المتكرر هذا، فعندها قد لا يفوتنا أن المصالحة الوطنية "غارقة اليوم في حسابات السياسة والسلطة، وفي حسابات علاقات القوة التي ستؤسس للمرحلة القادمة بغض النظر عن مداها الزمني". لقد صمدت حركة حماس في وجه ضغوط متنوعة المصادر والأحجام، وأصرت على تدعيم ركائز حكمها في "إمارة" قطاع غزة، مستعملة كل الوسائل والأدوات التي في متناولها لتثبيت حكمها، فما الذي يدفعها اليوم "بانكسار" حدة الضغوط عليها لأسباب متنوعة، أهمها صعود مثيلاتها في بعض الدول العربية، وخاصة في مصر، إلى ترجيح خطاب الحكمة الوطنية، والمصلحة الوطنية ومغادرة صحراء الانقسام إلى "واحة" المصالحة والوحدة الوطنية. يحتاج "الخطاب" التصالحي إلى شخص أكثر من ساذج، حتى تنطلي عليه مفردات الوفاق الوطني ونبرتها الشاعرية. فعندما يعلن السيد "محمود الزهار" أن اتفاق الدوحة يمثل خطراً على برنامج حركة حماس، وأن لا انتخابات قبل أن يتاح لحركة حماس ترميم صورتها في قطاع غزة، "وتمكينها" من إعادة ترتيب أوضاعها في الضفة، وعندما يفشل لقاء القاهرة الأخير في إنفاذ اتفاق الدوحة من حيث الحكومة والانتخابات، فهذا يؤكد بصورة لا لبس فيها حجم المصالح التنظيمية الهائلة التي يهدرها خطاب المصالحة المعلن للاستهلاك. لم يجد مشروع حركة حماس أي مقاومة تذكر في قطاع غزة، ولم تستطع التنظيمات السياسية ورديفها من مؤسسات المجتمع المدني أن تقلق سلطة "حماس"، لا بل صارت هذه القوى الرافضة لسيطرة "حماس" تطلب إذن حكومتها حتى في فعالياتها الوطنية. نسوق هذا المثال للتأكيد على أن حركة حماس لم تواجه أي متاعب تذكر في تثبيت سلطتها على قطاع غزة. وعلى المستوى الوطني العام، أي مستوى الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، لم يحقق البرنامج الوطني القائم على حل الدولتين من خلال المفاوضات أي نتائج، بل بدأ هذا الحل يتآكل بصورة متسارعة، جراء رفض إسرائيل المطلق لهذا الحل. وهذا يعني بصورة مباشرة عدم وجود أية ضغوط وحتى برنامجية على حركة حماس لمغادرة مربع الانقسام، ناهيك طبعاً عن التغييرات الكبيرة التي حدثت خلال سني الانقسام، من مصالح، وتغيير لموازين القوى في داخل حركة حماس نفسها. نكاد نجزم بأن تحقيق المصالحة مرهون ومرتبط إلى درجة بعيدة بتحقيق ثلاثة شروط: الأول: أن تدرك "حماس" أن كلفة الانقسام كبيرة عليها، بل وأكبر من فوائد هيمنتها وسيطرتها المنفردة على قطاع غزة .. وهذا الشرط يحتاج إلى استراتيجية وطنية مغايرة لما هو معمول به حتى اللحظة. الثاني: التسليم لحركة حماس بالإنجازات المتحققة لها، بل وتحصين هذه "الإنجازات" من أية انتخابات جديدة. أي التسليم بتقاسم كعكة السلطة بكل تفاصيلها. الثالث: انطلاقة مفاجئة في العملية السياسية التفاوضية، تؤدي إلى إعادة الثقة بالعملية السياسية، وبفعالية البرنامج الوطني الفلسطيني، ما سيترك آثاراً متنامية على الرأي العام الفلسطيني، يشكل ضغطاً متراكماً على حركة حماس، يمكن أن يؤدي في مرحلة ما إلى زعزعة هيمنتها وسلطتها إذا استمرت.