خبر : أليس ما تفعله روسيا وإيران والعراق في سورية تدخلاً خارجياً؟ ..بقلم: خالد الحروب

الإثنين 13 فبراير 2012 11:14 ص / بتوقيت القدس +2GMT
أليس ما تفعله روسيا وإيران والعراق في سورية تدخلاً خارجياً؟  ..بقلم: خالد الحروب



البوارج الروسية ترسو في ميناء طرطوس، والحرس الثوري الايراني يشارك في مقاتلة السوريين في الشوارع والمدن السورية الثائرة، وانباء عن مشاركة حزب الله ايضا في توفير خط دعم امني وعسكري متصل عبر الحدود مع لبنان، وعراق المالكي الذي اصبح ساحة نفوذ ايرانية ينصاع لأوامر طهران ويفتح حدوده على مصاريعها لتأمين شريان حياة لوجستي للنظام الفاشي. تتدخل هذه الاطراف جميعا وبكل الطرق في سورية لحماية نظام الاسد من السقوط، وتقدم بكل صلافة ومن دون اي تردد دعما متواصلا ومتزايدا بالسلاح، والمال، والاستخبارات، والدبلوماسية، وتوفر روسيا خاصة مظلة حماية يواصل تحتها النظام حملة القتل الدموي اليومية بشكل مريع وعلى مرآى ومسمع كل العالم. اذا كان هذا كله لا يعتبر تدخلا عسكريا اجنبيا فما هو شكل وتعريف التدخل الاجنبي والخارجي؟ كل هذا ليس سوى انحطاط اخلاقي وانساني وسياسي تحت مسميات "مصالح استراتيجية"، وهو يعكس عبث هذه الاطراف في حاضر ومستقبل سوريا وشعبها والاصطفاف الجبروتي إلى جانب عصابة حاكمة تعتبر البلد واهله ومستقبله حكرا على عائلة الاسد، وبكونه احد ممتلكاتها التي لا يمكن التنازل عنها. التدخل الاجنبي العسكري والامني مُتعدد الاطراف، الروسي، الايراني، العراقي، في سورية يطرح سؤالا كبيرا من قبل الذين يقفون ضد فكرة التدخل الاممي لوقف المجزرة المتواصلة التي تكاد تكمل عامها الاول مطبقة على انفاس السوريين وهو: لماذا يُقبل التدخل الاجنبي العسكري والامني والمالي والدبلوماسي ويرحب به عندما يكون في جانب النظام الباطش الذي تدك دباباته احياء وبيوت المدنيين العزل في حمص وحماة والزبداني وتبيد كل من تصل إليه حتى لو كانوا اطفالا حديثي الولادة ما زالوا في حاضنات المستشفيات؟ ولماذا يرفض ويُدان هذا التدخل ويعتبر اعتداء على سيادة سوريا وتدخلا في شؤونها عندما يكون هدفه وقف آلة المجازر الدائرة ضد الشعب الاعزل؟ روسيا المتوترة استراتيجيا تطحن سورية وشعبها الآن بسبب تخبط سياستها ونظرتها لذاتها ولمستقبلها في المدى القصير. بوتين القادم لا يرى في نفسه سوى قيصر وامبرطور، ويرى في روسيا امبراطورية يجب ان تنهض لتفرض هيبتها وحضورها على العالم. نصب عينيه يضع هدف مناكفة الغرب شرقا وغربا لتعزيز موقعه في عيون القوميين الروس وتيارات التشدد العنصري، ولفرض سطوته وتكريس احلامه في الاستبداد بروسيا. خلال السنوات القادمة ستتحول روسيا في قبضة بوتين إلى دكتاتورية قريبة من النسخة الستالينية. والمشكلة الكبرى هنا هي انه في عقل منفوخ بأوهام الامبراطوريات والعظمة المتخيلة لا يهم ان يُطحن عدة آلاف من السوريين، وان تستبد بهم حفنة من عائلة مالكة تعاملهم والبلد من منطلق الملكية الخاصة والاقطاعية. وليس ثمة اية اهمية لأية قيم او طموحات تتعلق بحرية الشعب وكرامته وإرادة الناس والديموقراطية. أما الاعلام المعولم والاجتماعي الذي بوجوده ما عاد بإمكان احد أن ينكر الحقائق على الارض، فإنه لا يستحق إلا الازدراء. وليس مهما ان تُرى روسيا منحازة إلى جانب نظام تشهد كل الحقائق على وحشيته، الاكثر اهمية هو ان تثبت روسيا البوتينية للعالم انها "عظيمة". ليس مهما ان تصبح مكروهة من قبل الغالبية الكاسحة للسوريين والعرب، المهم هو الشعور بالامتلاء الزائف، الذي لا يعبر عن استراتيجية نافعة، بل مجرد اجترار للستالينية والبريجينيفية التي تعلي من "صورة العظمة" الخارجية فيما الإنهاك والهشاشة يأكلان الداخل ويأتيان على أساساته. ما هي "المكاسب الاستراتيجية" التي حققتها موسكو بعد ان استخدمت حق النقض الفيتو مرة اخرى ضد الشعب السوري، وجرجرت وراءها الصين ايضا؟ موسكو (وبكين) تراكمان الآن وعلى خلفية المشهد السوري خسارت طويلة المدى في المنطقة، وهذه المرة ليس على مستوى الانظمة وحسب بل والشعوب ايضا. وكيف يمكن ان نفهم العناد الروسي المدهش وإدارة الظهر لما يراه العالم كله من بطش وعنف من قبل النظام السوري بشعبه في طول وعرض سورية؟ الفصل الاخير من اداء موسكو هو تأكيد لنمط اعرض من المواقف الروسية في المنطقة خلال العام الماضي برهنت على انها تفتقد إلى الكثير من البراغماتية، والمرونة، والاستجابة السريعة. وبسبب ذلك فقد خسرت ولا تزال تخسر. وكأن ذلك القصور البراغماتي المشهود لم يكن كافيا، انتقلت تلك المواقف الآن إلى مرحلة جديدة تتفاقم فيها الخسارات ويمكن تسميتها "التشبيح السياسي" ـ لأنها منسجمة مع "التشبيح الامني" و"الاجرامي" الذي يقوم به نظام الاسد. "التشبيح السياسي" هو تبني موقف ضجيجي يجلب الكثير من الإثارة والخلافية والاضواء والتغطية الاعلامية، ويُشعر الخصوم بالأهمية، لكنه يجلب معه خسارات محققة من ناحية استراتيجية ومصالحية، على المدى القصير والطويل. "التشبيح السياسي"، بطبيعة الحال، وفي نسخته الروسية الحديثة، يفتقد إلى الحد الادنى من الاخلاقية والانسانية، ولا يهمه موت البشر، يهمه "صورة روسيا العظيمة" وهي تقف في وجه الغرب، لا يهم كيف ولماذا وأين وحول اية قضية، المهم العنترية ذاتها. وهذا البعد الاخير، انعدام الاخلاقية السياسية في مقاربات روسيا والصين للعلاقات الخارجية، يستحق فتح قوسين موسعين. موسكو وبكين لا تعنيهما اي اجندات لها علاقة بالديمقراطية، وحقوق الانسان، والانفتاح السياسي، او مواجهة الانظمة الديكتاتورية والقامعة لشعوبها، سواء في الشرق الاوسط او اية منطقة من مناطق العالم. يتعامل البلدان مع "الانظمة القائمة" ويرفضان فكرة "تغيير النظام" من الخارج، من ناحية نظرية. من ناحية عملية، روسيا غيرت انظمة بكاملها في جمهوريات آسيا الوسطى حفاظا على مصالحها في الجوار الاستراتيجي، وتدخلت في اوكرانيا، وابخازيا، وروسيا البيضاء، وجورجيا، وغيرها، ناهيك عن الطحن التاريخي الذي سجلته في الشيشان. حلفاء روسيا والصين في العالم قائمة من الانظمة الديكتاتورية التي تقمع شعوبها، من كوريا الشمالية، إلى موزامبيق، الى اوزبكستان. والمهم هنا، عربيا، ان كلا البلدين وعلى المدى البعيد ليس لديه ما يقدمه للعرب ومستقبلهم، وليس ثمة نموذج انساني وحضاري وتعددي مغر. ما يقدمانه لا يتعدى صيغا متنوعة من الديكتاتورية والرطانة. لا يعني هذا القول بأن عكس ذلك موجود عند الغرب، فتاريخ الغرب طافح هو الآخر بالجرائم منذ عهود الاستعمار وحتى الوقت الراهن. لكن الفرق الجوهري والمهم، والذي يخصنا في المنطقة العربية وربما العالم الثالث كله إزاء العلاقة مع الغرب وسياساته، هو وجود معايير وقيم حقوقية لها علاقة بالديمقراطية وحقوق الانسان والحرية الفردية يمكن العودة إليها ومحاسبة الغرب والسياسات الغربية إزاءها. صحيح ان كثيرا من تلك المعايير والقيم يتم دوسها في السياسات والحروب الغربية، لكن على الاقل تبقى هناك وتشكل مرجعية تتم العودة إليها وكشف اية سياسة او ممارسة زائفة او منافقة بناءً عليها، ويمكن لي ذراع السياسة الغربية وحشرها في الزاوية استنادا اليها. مع روسيا والصين ليس هناك اية مرجعية اخلاقية او معايير يمكن محاسبتهما بناء عليها، ذاك ان هناك معيارا واحدا فقط: تأييد الانظمة القائمة الباطشة علنا وباطنا، ولتذهب الشعوب وحقوقها وحرياتها إلى الجحيم.