خبر : الطموحات الكبيرة تحتاج إلى تضحيات نوعية ..طلال عوكل

الخميس 19 يناير 2012 11:44 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الطموحات الكبيرة تحتاج إلى تضحيات نوعية ..طلال عوكل



فيما تتوالى الأخبار عن اجتماعات تعقدها اللجان المنبثقة عن الحوار الشامل، وعن توفر الإرادات، والحرص على إنجاح المصالحة، ثمة من لا يزال يتمترس في مواقع التشكيك والتشاؤم، وتفسير المواقف على أسس أخلاقية لا علاقة لها بأشكال السياسة، أو تعبيراً عن إسقاطات ذاتية. يصل الأمر بالنسبة إلى البعض، إلى أن المفاوضات الجارية في عمّان، تشكل انقلاباً من قبل الرئيس محمود عباس على المصالحة، على اعتبار أن المصالحة والمفاوضة خطان متوازيان، لا يلتقيان، وأن المصالحة تعني إغلاق طريق المفاوضات كخيار، أو أن مواصلة العمل على خيار المفاوضات، تعني إغلاق ملف المصالحة. من الواضح أن هذا الخطاب الاتهامي، يستخدم للتحريض، أكثر ما أنه يعكس موقفاً أو تحليلاً لمسار المفاوضات. يمكن بطبيعة الحال أن يقبل الإنسان، نقداً لمسار المفاوضات، ولأسباب العودة إليها في عمان رغم استمرار السياسات الإسرائيلية التي أغلقت طريقها، ويمكن، أيضاً، التحريض السياسي ضد كل خيار التفاوض، ولكن من غير المقبول أن يتحول الخلاف السياسي إلى تحريض، وتعريض، واتهامات هي في معظم الأحيان تجافي الحقيقة. أعتقد أن الرئيس عباس، ووفد حركة فتح للحوار مع الفصائل الأخرى، قد شرحا للآخرين طبيعة الظروف، والضغوط، والتداخلات ذات العلاقة مع مسار المفاوضات، ومع إسرائيل والرباعية الدولية، والجامعة العربية، وأعتقد أن هذا الشرح، كان متفهماً، وعلى هذا الأساس قبلت "حماس"، وقبل الآخرون إرجاء مسألة تشكيل الحكومة إلى نهاية هذا الشهر. أكثر من ذلك، يدرك الجميع، بما في ذلك المواطن الفلسطيني، أن ما يجري في عمان قد يكون جرى بسبب تدخلات من النوع الثقيل، لكن الكل يدرك أن لا هذه المفاوضات، ولا إذا استمرت فترة أخرى، يمكن أن تبدل النتيجة التي أصبحت معروفة، وهي أن إسرائيل قد أغلقت الطريق، وأنه لا رجاء في مواقف وسياسات أميركية تعدل واقع الأمر، وأن المسألة لا تعدو كونها تكتيكاً سياسياً لا أكثر ولا أقل. علينا أن نلاحظ، تصاعد الانتقادات الدولية، من بان كي مون، إلى بريطانيا، إلى فرنسا، وأطراف أخرى، للسياسات الإسرائيلية، ليس بعموميتها وإنما بتفاصيلها، وليس فقط بالصلة مع الأراضي المحتلة عام 1967، وإنما أيضاً إزاء ممارساتها تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948. يبدو أن على هؤلاء أن يتعلموا من القيادات السياسية ذات الخبرة، وأن يتوخى الجميع البحث عما يساعد على تنقية الأجواء وإعادة بناء الثقة، والابتعاد عن سياسة دق الأسافين بين الفصيلين الكبيرين، على الرغم من اعتراضنا من حيث المبدأ على أن يتوقف الحوار عليها، خصوصاً بعد أن وافقت كافة الفصائل ووقعت على الوثيقة المصرية. يلفت النظر في هذا الاتجاه، تصريح غاية في الدقة، أطلقه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، مطلع هذا الأسبوع، حين اعتبر أن "اتفاق الفصائل على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية يشكل إنجازاً مهماً، ويعتبر الولادة الثالثة للمنظمة". هذا التصريح يقدم شرحاً مهماً لبعض دوافع حركة حماس، وحماستها نحو إنجاز المصالحة وبعد خمس سنوات على الانقسام، خلالها لم تتوقف الحركة عن بناء نظامها السياسي وتجذير وجودها وسيطرتها على قطاع غزة، بحيث لا يمكن لأية عملية توحيدية أن تتجاوز هذا الواقع، أو تقفز عنه. يؤسس الوضع القائم، واستناداً إلى ما تقدم في بنود المصالحة التي تم التوصل إليها، لإجراء عملية مصالحة، تتسم بطابع كونفدرالي، يعطي لحماس شرعية السيطرة على الوضع في القطاع، ولحركة فتح السيطرة على الضفة الغربية، أن المصالحة المتاحة تجعل الفلسطينيين أمام وضع يسمح بإدارة الانقسام بضع سنوات، وينظم عملية التنافس على المؤسسات والقرار الفلسطيني. حسب تصريح مشعل، فإن الولادة الأولى معروفة، حيث تشكلت منظمة التحرير عام 1964، بقرار من القمة العربية في القاهرة، وبرئاسة المرحوم أحمد الشقيري، أما الولادة الثانية، فكانت بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة، حين سيطرت حركة فتح والفصائل على المنظمة والقرار، أما الولادة الثالثة فأعتقد أنها ترمي إلى تطور ميزان القوى الداخلي، يسمح بولادة ثالثة تتسم بطابع إسلامي. لا يمكن أن ننكر على حركة حماس أو غيرها، حقها في النضال من أجل الفوز بقيادة العمل الوطني الفلسطيني، وقراره ومؤسساته، لا إن كان هذا الهدف حلماً ولا إن كانت تعززه وقائع تطور الوضعين الفلسطيني والعربي. الشرط الأساسي لقبول مثل هذه العملية، هو الاحتكام للأطر الشرعية، وللآليات الديمقراطية، والحوار، والشراكة، والاعتراف بالآخر، وإثبات الجدارة الوطنية، من خلال تغليب العام على الخاص، وتركيز النضال في مواجهة التناقض الرئيس مع الاحتلال. والحقيقة أن حركة حماس تمتلك رؤيةً متكاملةً لكيفية تحقيق أهدافها في تسلم زمام القيادة والقرار الفلسطيني، فلقد كان واضحاً لقيادة الحركة، أنها على الرغم من معارضتها لاتفاقية أوسلو، فإنها تتعامل مع السلطة التي نشأت على أنها قد أصبحت واحدة من الثوابت الفلسطينية، على هذا الأساس خاضت الحركة معركة الانتخابات التشريعية في كانون الثاني 2006، وهي تعلم أنها تدخل الحقل العملي الأهم لاتفاقية أوسلو. بعد سيطرتها على قطاع غزة، عام 2007، أصبحت حركة حماس شريكاً قوياً في السلطة، وتشكل طرفاً أساسيا في معادلة الحكم، وموازياً لحركة فتح، ما يتيح لها ولحركة فتح الفرصة أمام إمكانية التقدم نحو حسم هذه الازدواجية، وهذه الندية لصالح الطرف الذي ينجح في تعظيم قوته، وإضعاف قوة الآخر. ربما لهذا السبب أيضاً، تعكس الدعوة الصادرة عن المجلس الاستشاري لحركة فتح، إلى عقد مؤتمر استثنائي لتوحيد الحركة، تعكس وعياً عميقاً، لاتجاهات وحاجات تطور الوضع الداخلي الفلسطيني. ومن الواضح أن هذه الدعوة تشكل اعترافاً من قبل الجهة الداعية بأن المؤتمر السادس للحركة لم ينجح في رأب الصدع، ولا في وقف التراجع الذي أصاب الحركة، وهو أمر جرى اختباره في انتخابات الإدارة المحلية في الضفة الغربية، التي تم تأجيلها لأسباب في الأساس تتصل بعدم قدرة الحركة على تقديم لوائح مرشحين تعكس وحدة الحركة. ومن جانب آخر، فإن أوضاع حركة حماس أفضل بما لا يقاس من أوضاع فتح، من حيث وحدة القيادة والإرادة، ومن حيث توفر العامل العربي الداعم بعد فوز الإخوان المسلمين في تونس والمغرب ومصر، لكن هذه الأهلية لا تعني بالضرورة أن السباق على قيادة المؤسسة الفلسطينية وقرارها قد أصبح محسوماً سلفاً. تصريح الأخ مشعل والتصريحات الأخرى التي تصدر عن قيادة حركة حماس بشأن المصالحة، تعكس جدية واضحة في التوجه نحو تنفيذ هذه المصالحة، لكن هذه الجدية لا تعكس الاستعداد لتقديم تنازلات لا ترى قيادة الحركة، ضرورة تقديمها لصالح دفع عجلة المصالحة. وبهذا المعنى، علينا أن نصدق بأن التوجه نحو المصالحة بمحتواها وآفاقها المعروفة الراهنة هو توجه إستراتيجي، لكن تفوح من مرة أخرى رائحة المصلحة الفصائلية والفئوية السياسية. الهيئة القيادية المؤقتة للمنظمة اجتمعت مرتين، ومن المتوقع أن تواصل الاجتماعات، وخلال اجتماعها الثاني في عمان، جرى الاتفاق على بعض القضايا من نوع عدد أعضاء المجلس الوطني، والفصل بين عضوية المجلس الوطني والمجلس التشريعي، وقضايا أخرى، بما يؤكد أن عجلة المصالحة قد انطلقت من عقدتها الأهم وهي منظمة التحرير بكل معانيها وأبعادها. هذا الحديث يدور عن سياق جديد وإستراتيجي لتطور الحركة الوطنية الفلسطينية مع كل ما يصاحب ذلك من تحالفات واصطفافات، وتعارضات، وتدخلات خارجية، لا يمكن عزلها عما يدور من تحولات في المنطقة العربية والعالم المحيط. سيترتب على القوى الفلسطينية الأساسية وغير الأساسية، أن تدرك أبعاد ما يجري وآفاق التحول الذي ينتظر الساحة الفلسطينية، والأهم أن يتحول هذا الإدراك إلى سياسات ومواقف قد تحتاج إلى دفع أثمان كبيرة لقاء إنجازات طموحة... .  طلال عوكل