خبر : صفقة تبادل الأسرى: الزمن.. والثمن! .. هاني حبيب

الأحد 16 أكتوبر 2011 04:01 م / بتوقيت القدس +2GMT
صفقة تبادل الأسرى: الزمن.. والثمن! .. هاني حبيب



لا.. ليست مثاراً للشبهة، بل مدعاة للاحتفال والفرح، تلك هي صفقة تبادل الأسرى، والتي تعتبر إنجازاً فلسطينياً بامتياز، ليس هناك صفقة كاملة إلاّ في الأحلام والرغبات، نحن نتحدث عن ميزان قوى مائل تماماً لصالح إسرائيل، وفي ظل انقسام فلسطيني خطير، وفشل الخيارات الفلسطينية ابتداءً من شعار المقاومة، حتى خيار المفاوضات، مع ذلك يمكن تسجيل العديد من الملاحظات التي تجعل مما تحقق انتصاراً فلسطينياً، وبالعودة إلى الماضي القريب، فإن نجاح المقاومة الفلسطينية في أسر الجندي شاليت، من داخل ثكنته العسكرية لهو إنجاز لا يمكن تجاهله، ثم إن نجاح المقاومة، مرة أخرى في إخفاء الأسير، وفشل كل جهود أجهزة مخابرات الدولة العبرية، ذائعة الصيت، لهو ضربة قاصمة لسمعة هذه الأجهزة، ثم إن نجاح المفاوض الفلسطيني في الحصول على إطلاق أكثر من ألف أسير وأسيرة، لهو إنجاز حقيقي بكل المقاييس، وتسجيل بعض الملاحظات السلبية الجوهرية، لا يقلل من قيمة وحجم هذا الإنجاز. هذه المقدمة ضرورية، حتى يكون من الممكن محاولة الإجابة عن سؤالين مهمين وكبيرين حول هذه الصفقة، أولهما، لماذا نجحت هذه الصفقة الآن؟! أما السؤال الثاني فيتعلق بالثمن الذي دفعه الفلسطينيون طوال خمس سنوات من عمر شاليت في الأسر، لإتمام هذه الصفقة، إذ بدون الإجابة عن هذين السؤالين، تبقى الصفقة وكأنها نشأت وأنجزت في الفراغ، أو كأنما هي مجرد إرادة الطرفين المتفاوضين حولها أو أن الملاحظات العديدة التي يمكن تسجيلها خارجة عن السياق التي جرت فيه المفاوضات خلال خمس سنوات وأكثر. من المعروف، أن سلسلة من المحادثات والوساطات والمفاوضات قد جرت خلال السنوات الخمس الماضية، من دون أن تحرز أي منها النجاح المطلوب لإتمامها، ونعتقد في هذا السياق، أن الطرف المفاوض فلسطينياً، حركة "حماس"، قد وضعت اشتراطات كانت تعلم أن الجانب الإسرائيلي سيرفضها بالقطع، وهذه كبداية هي طبيعة أية عملية تفاوضية، بوضع سقف عال والإيحاء بأنه الحد الأدنى المطلوب، حركة "حماس" كانت تخشى من أن إطلاق سراح شاليت سيمنح القيادة الإسرائيلية رخصة سهلة لمطاردة واغتيال قيادة الحركة، كان ذلك ممكناً في ظل التغول الإسرائيلي وروح الانتقام ونزعة الثأر لدى القيادة الإسرائيلية، كما كان ذلك متوقعاً في ظل غياب حماية سياسية، تردع إسرائيل عن القيام بذلك، كان تمسك حركة "حماس" باشتراطاتها وقوائمها، مرفوضا تماماً من الجانب الآخر، وهذا ما حقق لحركة "حماس"، استمرار أسر شاليت وإبعاد شبح الاغتيال عن قيادتها. هذا الوضع اختلف الآن، وكنتاج لـ "الربيع العربي"، والتغيرات التي حدثت على الخارطة السياسية في المنطقة العربية، وخاصة وتحديداً، في جمهورية مصر العربية إثر انتصار ثورة 25 يناير، ما وفر حماية سياسية فعالة من أي عملية اجتياح لقطاع غزة أو قيام إسرائيل بعمليات اغتيال كبيرة، إذ إن حساسية العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية في هذا الظرف بالذات، والتي تسمح فيه الدولة العبرية، لمصر بإدخال قوات إضافية إلى المناطق الحساسة في سيناء وفي مناطق "ج" المحظورة وفقاً لاتفاقيات "كامب ديفيد"، وتحليق الطائرات الحربية المصرية على الحدود، ومن دون إذن إسرائيل، وقيام الدولة العبرية، في سابقة هي الأولى في تاريخها بالاعتذار للحكومة المصرية عن مقتل الجنود المصريين في سيناء، كلها بعض مظاهر، حساسية الموقف الإسرائيلي إزاء المتغيرات التي حدثت في الأشهر الأخيرة على صعيد الخارطة السياسية في المنطقة وخاصة إزاء علاقاتها مع جمهورية مصر العربية. إنه "الربيع العربي"، الذي امتد ليشمل القطر السوري، حيث معقل ومركز حركة "حماس" في الخارج، النظام على وشك السقوط، إن لم يكن في الغد فبعد غد، القاهرة يمكن لها أن تشكل بديلاً في حال إسهام الحركة في إعادة الدور المصري للتأثير السياسي في عموم المنطقة العربية، هذا الدور الذي تآكل في السنوات الماضية، وظهرت بدائل له، بدءاً من تركيا وحتى إيران إلى أن يصل إلى قطر، ومن خلال وساطة مصرية ناجحة على ملف صفقة تبادل الأسرى، تدشن القاهرة الخطوة الأولى، المهمة والضرورية، لاستعادة دورها المفقود وحينها لن تبخل العاصمة المصرية بمقر للحركة، بديلاً عن مقرها في دمشق. إن لكلا الطرفين المتفاوضين حول الصفقة، مصلحة متماثلة، في تحويل الانتباه الفلسطيني والإقليمي والدولي عن إنجاز القيادة الفلسطينية المتمثل في عرض القضية الفلسطينية على مجلس الأمن من أجل الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في المنظمة الدولية، هذا الإنجاز الذي شعرت حركة "حماس" أنه سيضاعف من تراجع شعبيتها في الميدان الداخلي الفلسطيني، نظراً لما لاقاه هذا التوجه، من إجماع شعبي فلسطيني، نادر الحدوث على تأييد هذه الخطوة الجريئة التي تحدى من خلالها الفلسطينيون كل أشكال الضغط الإقليمي والدولي، أما في إسرائيل، فإن إعادة شاليت ستبدو انتصاراً سيغطي على ما تعانيه الدولة العبرية جراء "ثورة الخيام" والإضرابات والاضطرابات الاجتماعية المتلاحقة، ومن خلال نجاحها في تضمين الصفقة، إبعاد عدد كبير من الأسرى المفرج عنهم عن العودة إلى مسقط رأسهم، والإقامة مع عائلاتهم، ونجاحها الكبير في استثناء كبار القادة الأسرى من عملية الإفراج، وكأنه انتصار كبير للمفاوض الإسرائيلي، ما يحول الانتباه لدى الرأي العام الإسرائيلي عن مضمون الصفقة من ناحية، وعن جملة الإرباكات والاضطرابات الداخلية، ولو إلى حين! غير أن ما يحد من أهمية هذا العامل، هو أن المفاوضات بشأن إتمام عملية الصفقة قد بدأت منذ شهرين، أي قبل التوجه الفلسطيني إلى مجلس الأمن، ولم يكن بالإمكان تحديد موعد وثيق لإنهاء هذه الصفقة باتفاق متزامن مع هذا التوجه. أما عن الثمن، فقد دفعه كل مواطن فلسطيني، خاصة وتحديداً في قطاع غزة، فكل مواطن بات مطلوباً لإسرائيل، وملاحقاً حتى الموت، سواء من خلال الحصار الذي فرض على القطاع، وأدى إلى موت بطيء من خلال نقص وشح الغذاء والدواء، أو من خلال موت معلن، من خلال إفرازات الحصار المباشرة، كانقطاع الكهرباء، وإقامة الاقتصاد الأسود عبر الأنفاق، وإغلاق المعابر، وتغول شريحة من تجار الحروب و"السلام" والأنفاق بحيث شكلت عنصراً مقرراً في الحياة اليومية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل مواطن، واتساع رقعة النفاق الاجتماعي الذي امتد من الأفراد إلى فصائل العمل الوطني، وقد يكون الأمر بحاجة إلى أرقام وإحصائيات عن عدد الضحايا، غير أن كل مواطن في قطاع غزة ليس بحاجة إلى ذلك، كونه ضحية يعلم ما يجري لأنه أدرى بما يعانيه من جراء وتبعات أسر الجندي الإسرائيلي شاليت، فالانتقام الإسرائيلي بات شاملاً بحيث طال كل مواطن في قطاع غزة، سواء من أصبح تحت الأرض، أو فوقها، ميتا لكنه يسير على ساقين! إن إزالة أسباب الحصار الإسرائيلي، وما سببه من نتائج كارثية على مواطني قطاع غزة، وذلك بعد إعادة الأسير شاليت إلى ذويه، هو النتاج الطبيعي لمثل هذه الصفقة إذ يجب أن لا يتوقف الأمر عند إطلاق سراح أسرانا في سجون الاحتلال، بل إطلاق سراح المواطنين الفلسطينيين الذين كانوا في قبضة شاليت! Hanihabib272@hotmail.com – www.hanihabib.net