خبر : بين طرابلس ودمشق/بقلم: نداف إيال/معاريف 26/8/2011

الجمعة 26 أغسطس 2011 02:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
بين طرابلس ودمشق/بقلم: نداف إيال/معاريف 26/8/2011



وقبل مواضيع الساعة، مواضيع الاحتجاج. مع صواريخ غراد في الجنوب، هاجم هذا الاسبوع معارضو الاحتجاج الاجتماعي. فقد امتلأوا بروح متجددة من المزايدة الاخلاقية، إذ عرضوا على المحتجين الصمت المطبق حين تصخب المدافع. وكانت هناك نبرة ما من الحماسة في هذه المبررات وكأن المنتقدين انتظروا اللحظة الأمنية المناسبة كي يقولوا لنزلاء الخيام، أخيرا، سُدوا أفواهكم. موضوعيا، فقد اعتقدوا بأنه عندما تتعرض اسرائيل للهجوم، ليس مناسبا رفع المطالب الى الحكومة وبالتأكيد ليس توجيه الانتقاد. على هذه الامور يجب الرد وبوضوح: لا يوجد شيء أكثر وطنية من محاولة تجديد التضامن الاسرائيلي، ولا يوجد شيء أكثر ضرورة منه للحصانة الوطنية. اسرائيل بحاجة الى عمود فقري قوي، وعمودها الفقري هو الطبقة الوسطى. الأزواج الشابة في الجنوب مكثوا هذا الاسبوع في الملاجيء. أيجدر بهم عندما يخرجون منها أن يعيشوا في مجتمع لا يسمح لهم بأن يشتروا شقة؟ فلماذا لا يتمتعون بأسعار تنافسية وحقيقية في المتاجر؟ بقدرة على التوفير من كد يومهم؟. أول أمس نشر أن 70 في المائة من الدين الذي على الاقتصادات المنزلية هو لقروض السكن، ارتفاع بأكثر من 35 في المائة منذ بداية 2008. في غضون ثلاث سنوات ارتفع رهن السكن الاسرائيلي بعشرات مليارات الشواقل. سكان الجنوب عندنا، الذخر الاستراتيجي لاسرائيل، فقراء ومهملين أكثر مما في وسط البلاد. فهم يعانون من بنى تحتية اجتماعية مخلولة ومن قدرة محدودة على الوصول الى اماكن العمل. فهل يضعف سقوط صواريخ غراد هناك الحاجة الى تقليص الفوارق في المجتمع الاسرائيلي؟ العكس بالضبط. الحاجة الى تعزيز الطبقة الوسطى ليست ترفا أو مطلبا سياسيا قطاعيا. هذه حاجة وطنية عميقة. لا خلاف في ذلك، من رئيس الوزراء وحتى الخيمة في روتشيلد. فاسرائيل ناضجة بما فيه الكفاية كي تقف تماما خلف الجيش الاسرائيلي والحكومة في مكافحة الارهاب، وبالتوازي مواصلة الكفاح الديمقراطي المتواصل لتغيير سلم الاولويات.  ليبيا - حملة فاخرة في الوقت الذي ربت العالم لنفسه على الكتف في أعقاب التطورات في ليبيا، في سوريا تواصلت المذبحة دون عراقيل. حملة الناتو في ليبيا كانت احدى الحملات العسكرية الأكثر نجاحا لهذا الحلف في العقدين الاخيرين. فقد تميزت بسرعة نسبية (نصف سنة، لدولة قبلية مثل ليبيا، هو زمن محدود)، بكثافة دقيقة جدا وبالأساس في اختبار النتيجة – من جهة، الثوار هزموا معمر القذافي، ومن الجهة الاخرى لم يظهر وكأن الغرب هو الذي يتوجهم كمنفذين لكلمته. هذا المظهر كان حرجا بالنسبة لاوروبا والولايات المتحدة، ولكن يجدر بنا ألا نقع في الخطأ: في ليبيا جرت حملة عسكرية غربية فاخرة. مع قوات برية سرية، مدربين عسكريين، مراقبي جو حددوا الأهداف، مسارات تزويد حرة بالسلاح، تفعيل مكثف لقدرات الاستخبارات والتجسس وغيرها هنا وهناك من القضايا التي سنعرف عنها قريبا أو بعد سنوات طويلة. في مرحلة معينة قرر الغرب بأن القذافي يجب أن يرحل. ويبدو أن هذا كان بعد أن وعد بذبح أبناء شعبه. السبب المعلن كان يرتبط بالطبع بالحاجة الى الحرية، المساواة والديمقراطية في العالم العربي، أما السبب الحقيقي بقدر لا يقل فهو الفهم بأن معمر القذافي، بسلوكه الاجرامي، جعل نفسه شخصية منبوذة وغير مرغوب فيها. تعالوا نفترض أنه انتصر في ليبيا، فهل ايطاليا برلسكوني سيكون بوسعها عقد الصفقات معه؟ لم يعد ممكنا. هل بريطانيا كانت ستسمح لنفسها، ولا سيما بعد مهزلة تحرير المخرب من لوكربي بأن تشتري منها النفط؟ ليس في السنوات القريبة القادمة. والولايات المتحدة كانت ستقاطعه بعناد. السياسة الدولية هي ايضا (وربما أساسا) سياسة داخلية – الجمهور الامريكي والاوروبي ما كان ليسمح لسياسييه بعقد صفقات مع طاغية تاب، وبعدها عاد الى عادته وأعلن في التلفزيون عن أنه سيذبح المتظاهرين الذين يطالبون بالديمقراطية. مغفرته لمرة واحدة على العملية في لوكربي كان أمرا، أما منحه كتاب غفران دائم والوقوف الى جانبه الى الأبد، فهو أمر آخر تماما. القذافي، بتعبير آخر، أصبح طاغية لم يعد ممكنا عقد الصفقات معه. هذا موضوع أليم جدا، ولا سيما عندما تكون ليبيا تمتلك احتياطات هائلة من الطاقة، من أكبر الاحتياطات غير المستغلة في العالم، ولا سيما عندما تضرب الصين عينيها نحو هذه الذخائر – وتعرب بالذات عن تفهم مرن للدكتاتوريين الافارقة. واذا أخذنا في الحسبان الطابع العام الهاذي للقذافي (من خلال تهديداته لاوروبا بأنها اذا لم تدفع له المليارات، فان "ملايين السود سيغرقون القارة")، وأخذنا في الحسبان الحاجة العميقة للغرب لتلك الاحتياطات من الغاز والنفط، فقد كان الخيار وحيدا: العمل على تصفية حكمه. وهذا ما جرى.  سوريا - انتهت الفرصة وهنا نحن نصل الى القصة البشعة لسوريا. حجم المذبحة هناك ليس واضحا. كل أنواع الارقام تلقى في الهواء، من بضعة آلاف قتيل وحتى عشرات الآلاف. الحقيقة هي أن أحدا لا يعرف. سوريا، لشدة أسف الشعب السوري الثائر، لا تملك مقدرات طاقة هائلة. فضلا عن ذلك، فحكم سلالة الاسد كان يعتبر على مدى السنين حجرا أساس للاستقرار الاستراتيجي الاقليمي. اوروبا، تركيا والولايات المتحدة لا تعرف من سيحل محل الاسد، ولهذا فقد امتنعت لزمن طويل عن الدعوة لتغييره حقا. كان هذا طريقها لاعطائه فرصة. وهم سيقولون ان الحديث يدور عن اعطاء فرصة كي يغير طريقه ويتوجه الى الديمقراطية. هذا هراء مؤدب. زعماء الغرب يعرفون جيدا بأن طغاة كالاسد لا يكتشفون النور، ويفهمون بأن التغيير يبدأ من الداخل. عمليا، هذه الفرصة كانت موضوع تهكميا ووحشيا جدا – فقد سمحوا له بأن يقمع الاضطرابات بيد من حديد، ويعيد السيطرة على سوريا بكل ثمن ليحصل مرة اخرى على الشرعية المحدودة التي منحها العالم للحكم البعثي حتى الآن. الاسد الشاب فوت هذه الفرصة. استمرار الثورة السورية – وهو موضوع شجاع جدا اذا أخذنا في الحسبان القتل الجماعي الذي يرتكبه النظام – أثبت للغرب بأنه يحتمل جدا ألا ينتصر الاسد، ولكن حتى لو بقي، فقد جعل نفسه منبوذا على نحو مطلق، اسوأ من القذافي. ومن هنا جاء البيان الامريكي والاوروبي الذي يطالبه بترك منصبه. بعد نجاح الناتو في ليبيا، تجرى مداولات عنيدة الآن في واشنطن، في أنقرة، في باريس وفي لندن في موضوع امكانية تكرار حملة محدودة في سوريا. سوريا ليست ليبيا، وجيشها ليس القوة القديمة والضعيفة للقذافي. هجوم غربي في سوريا يمكن أن يؤدي الى رد فعل اقليمي متسلسل يتضمن ايران، لبنان واسرائيل. من الاكثر حذرا وأمانا النظر الى الامور في ظل الوقوف جانبا، ترك الحرب الأهلية السورية تتطور بكامل شدتها، واتخاذ القرار لاحقا. ومع ذلك، من الصعب أن ننسى بأن هنا لا يوجد نفط ينتظر المنتصرين. الحد الاقصى الحمص في دمشق.