خبر : تداعيات ثورة الخيام في اسرائيل..د. سفيان ابو زايدة

الخميس 18 أغسطس 2011 12:10 م / بتوقيت القدس +2GMT
تداعيات ثورة الخيام في اسرائيل..د. سفيان ابو زايدة



منذ اكثر من شهر تننتشر في معظم  المدن الاسرائيلية خيام الاحتجاج التي تطالب بالعدالة الاجتماعية. الاسرائيليون الذين تأثروا بثورات الشعوب العربية خاضوا معركتهم الاولى قبل حوالي الشهرين ضد ارتفاع اسعار منتوجات الالبان حيث اعلنوا من خلال شبكات التواصل الاجتماعي مقاطعة هذه المنتجات. النتيجة ان الشركات المنتجة اضطرت للتجاوب و تخفيض الاسعار. هذا النجاح الموضعي فتح شهية قطاعات اخرى كبيره من المجتمع الاسرائيلي التي تعاني من عدم العدالة في توزيع الاعباء و الامتيازات على حدا سواء. ما تشهده اسرائيل اليوم هو ثورة اجتماعية بالمعنى الحقيقي للكلمة، ليس هناك اي زعيم  او حزب سياسي اسرائيلي قادر على تلبية مطالب هذه القطاعات الواسعة من الشعب التي تشعر بالظلم و الارهاق الناتج عن سياسة الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة دون اجراء تغيير جذري في اسس العلاقة بين المواطن والدولة من ناحية و اعادة توزيع لموارد و اعباء الدولة من ناحية اخرى. ان اهم ما يميز ما يجري في اسرائيل اليوم من حراك اجتماعي هو :اولا: جميع محطات التلفاز و كل وسائل الاعلام الاخرى سواء كانت المكتوبة او المسموعة تجندت بشكل كامل لتغطية الحدث في تعاطف واضح مع المتظاهرين و انتصارا لمطالبهم العادلة. على الرغم من ذلك وسائل الاعلام و كتاب الرأي اختلفوا فيما بينهم حول النتائج التي من الممكن ان تحققها هذه الاحتجاجات و مدى قدرة نتنياهو و حكومته للتجاوب معها. ثانيا: التظاهرات التي جرت في اسرائيل قبل اسبوعين  في اكثر من مدينة، و لكن الاكبر كان في تل ابيب على بعد امتار من وزارة الدفاع حيث شارك فيها اكثر من ربع مليون شخص وفقا لتقديرات الشرطة الاسرائيلية، لم تكن مظاهرات حزبية، على الرغم من محاولة السياسيين استثمارها و تجييرها لبرامجهم الخاصة.  يشارك في هذه الاحتجاجات كافة الاطياف السياسية و ان كان الغالبية من الوسط و اليسار.  لقد كان الجمبع موجود بما في ذلك مؤيدي و انصار حزب الليكود الحاكم. ثالثا: حرص منظمي الاعتصامات و المظاهرات، الذين في غالبيتهم من الشباب ، خاصة القيادات الطلابية عدم رفع شعارات سياسية او مطالبة الحكومة و رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو بالرحيل. ليس هذا مطلبهم حتى الان. هم يريدون اجراء تغيير جوهري في الاسس التي يتم على اساسها توزيع موازنة الدولة، اعادة توزيع للاعباء و اعادة توزيع للموارد بشكل اكثر عدالة. رابعا: من الواضح ان الغالبية العظمى من المتظاهرين هم من الطبقة الوسطى المتعلمة و المثقفة، التي تشعر ان سياسة نتنياهو و حكومته في السنوات الاخيرة التي اعتمدت على تخفيف الضرائب عن الطبقات الغنية، و زيادتها على الطبقة الوسطى و الفقيرة، ادى  بالتدريج الى زيادة الاعباء على الطبقة الوسطى وسحق الطبقة الفقيرة. و لكي تكون الصورة اكثر وضوحا، في اسرائيل هناك اكثر من نصف مليون شخص تحت خط الفقر ، اما فيما يتعلق بالطبقة الاوسطى فهي اصبحت تئن في ظل تهرب الدولة من مسؤلياتها ، خاصة في مجال التعليم و السكن. على سبيل المثال عائلة اسرائيلية من الطبقة الوسطى تتكون من اربعة اشخاص، الاب و الام في الغالب يعملون و يتلقى كلاهما راتب متوسط حوالي سبعة عشر الف شيكل . يدفعون لاولادهم الصغار بدل حضانه حوالى ستة الاف، يدفعون بدل سكن او تسديد قرض سكن للبنك حوالي خمسة الاف، يتبقى لهم سبعة الاف لا تكفي للاحتياجات و الالتزامات الاخرى. خامسا: هناك جدل بين قيادة الاعتصامات ما اذا كان من المجدي الدخول في مفاوضات مع الحكومة او استمرار الضغط عليها حتى اجراء التغييرات المطلوبة. نتنياهو شكل لجنة برئاسة البروفسور مانويل ترختنبرق مع ادراكه المسبق ان توصيات هذه اللجنة سيكون على نقيض تام مع فكره الاقتصادي المحافظ الذي ساهم في تعزيز مكانت الطبقة الغنية على حساب الطبقتين الوسطى و الفقيرة. قيادة الاحتجاج لم تتعاطى مع هذه اللجنة و شكلت لجنة من طرفها تظم مفكرين و اكاديميين و خبراء لبلورة الافكار و المطالب التي يريدها المحتجون من الحكومة. سادسا: على الرغم من عدم تسييس هذه الاعتصامات،  التقديرات بأنها ستقود في النهاية الى تقديم موعد الانتخابات في اسرائيل لان نتنياهو سيكون عاجز عن تلبية مطالب المتظاهرين، خاصة في ظل بوادر بروز الازمة الاقتصادية العالمية من جديد. الفارق كبير بين ما يطالب به المحتجين من تغيير جوهري في طبيعة العلاقة التي تربط المواطن بالدولة من حيث الحقوق و الواجبات و بين ما يستطيع نتنياهو ان يقدمه. و عليه ، مراهنة نتنياهو و من معه هو على عنصر الزمن. لانه يدرك ان الامر الوحيد الذي من الممكن ان يضعف حركة الاحتجاج هذه هو حدوث امور تغير من اهتمام الرأي العام الاسرائيلي. سابعا: اكثر المتضررين في كل الظروف و الاحوال من اعادة توزيع الموازنة و تغيير النظام الضريبي ان حدث هو الجيش الاسرائيلي الذي يقتطع من موازنة الدولة بين عشرين الى خمسة و عشرين بالمائة، اي حوالي عشرين مليارد دولار. اي تقليص سيقتطع على الاقل ثلاثين بالمائة من موازنة الجيش. المتضرر الثاني هم المستوطنين الذين يتمتعون بأمتيازات كثيرة على حساب موازنة الدولة.على اية حال، نتنياهو حتى الان لا يعرف ما الذي سيفعله، هناك شعور بأنه تفاجأ من حجم وقوة هذة الاحتجاجات، حيث لاول مرة في اسرائيل يصبح الصراع العربي الاسرائيلي، و الموضوع الامني بشكل عام امر هامشي  ليحل مكانه الموضوع الاجتماعي و الاقتصادي حيث الشعار المركزي و الوحيد للمتظاهرين هو ( الشعب يريد عدالة اجتماعية) . هذا بطبيعة الحال ليس ملعب نتنياهو المفضل. لذلك ، هناك من يعتقد على ان نتنياهو سيسعى الى اضاعة الوقت حتى سيبتمبر على امل ان تحدث تطورات امنية تعيد الموضوع الامني و السياسي الى الصدارة و تعيد الموضوع الاجتماعي و الاقتصادي الى مكانه الثانوي.  نتنياهو  واركان الحكومة و الجيش في اسرائيل من الارجح انهم سيصنعون دراما من هذا الحدث في حال توجهت السلطة للامم المتحدة في سيبتمبر كما هو مقرر. من مصلحة نتنياهو ان تكون هناك تطورات ميدانية في الضفة و غزة و لكن على ان لا تصل الى درجة فقدان السيطرة عليها. لذلك انهى الجيش الاسرائيلي  كل استعداداته و تدرب على كل السيناريوهات الممكنه. من مصلحة جنرالات الجيش في اسرائيل ان تزال الخيام من ساحات تل ابيب و بقية المدن الاسرائيلية، و في نفس الوقت ان تحدث بعض المناوشات في الضفة و على حدود غزة لانهم سيكونوا اكثر المتضررين من نتيجة هذه الثورة الاجتماعيه. احداث اخرى يمكن لنتياهو ان يستفيد منها هو اتمام عملية تبادل الاسرى ة و اعادة شاليط، حيث هناك الكثير من التعاطف من قبل المتظاهرين مع شاليط و عائلته. و لكن ليس هذا المهم بالنسبة لنتنياهو، المهم هو ان اتمام صفقة التبادل سيخلق حالة من الجدل في اسرائيل قد تغطي و لو بشكل مؤقت على حركة الاحتجاج. في كل الاحوال نتياهو يحتاج الى معجزة لكي يفلت من هذا المأزق.